حلقات في الثقافة السياسية 2
الحزب البرامجي دولة مدنية مصغرة
اخترنا أن نكون حزب برامجي لا يرتكز على ايديولوجيا بعينها يدعو الناس للإقتناع بها باعتبارها الحل لجميع المشكلات كما يفعل دعاة الأيديولوجيات الآن مسوقين لفكرهم الآيديولجي كمخلص إقتصادي وسياسي وإجتماعي فعلى سبيل المثال يرى السلفيون أن الحل لمشكلات العصر هو أن تكون سلفيا.. و يرى الإخوان المسلمون أن الحل في أن تكون إخوانيا وتؤمن بفكرة الإخوان، ويرى الشيوعيون الحل أن تكون ماركسيا تؤمن بالشيوعية كحل لصراع الطبقات، والليبراليون يرون الحل أن تكون ليبراليا تؤمن بمبادئ الحرية الفردية والمذهب الحر واللذة والمنفعة.. هذه هي الأيديولوجيات الناشطة في الساحة المحلية والعالمية ، و قد امتحنت جميعها في الحكم و لم تحقق نسبة عالية في تطابق القول و الفعل كونها غير محصنة من فتنة السلطة فتنكرت لشعاراتها و حادت عنها برغم حرصهم جميعا على اعترافهم باخطاءهم و مراجعة اداءهم باستمرار .. عدم احترامهم لمسلمات أيديولوجياتهم نابع من الطبيعة البشرية و طول المكوث في السلطة و التعصب لفكرهم . وبإلقاء نظرة سريعة على هذه الأيديولوجيات ترى أنها لا تخلوا من الثغرات و المسالب التي تستدعي الإصلاح لتجاري مفاهيم العصر و لغته ، أما الأحزاب البرامجية فترى أن الحل يكمن فيما يرتضيه الناس من برامج مدروسة ومجربة تُصلح شأنهم الإقتصادي والثقافي والإجتماعي والسياسي. ولا شك أن عملاً كهذا سيجد مقاومة من متشددي الأيديولوجيات المذكورة آنفاً لأن تسويق الفكرة في حد ذاته يتطلب مدافعة لتلك المناهج و تبيان عجزها حيث إنها -أي تلك الأيدلوجيات- ألهت الناسَ وشغلتهم عن قضاياهم الحقيقية التي فشلت هي نفسها احيانا كثيرة في أن تُنجز فيها شيئاً وكلُها لامست السلطة وأخذت منها بنصيب وماذا كانت النتيجة؟ كانت صراعاً دامياً على السلطة بشعارات أيديولوجية موغلة في الاقصاء و ذم الآخر . كما لا شك أن حزباً كهذا سيستقطب أناساً من مشاربَ متعددة يحملون بلا ريب رواسبَ أيديولوجيات متباينة منهم السلفي والصوفي والإخواني والسني والماركسي والليبرالي والعالم و الأمي وسيتولد عن هذا التنوع نقاشات مختلفة بالإمكان تجاوزها إذا انصهروا جميعاً في بوتقة البرنامج الحزبي الذي سيخدم الوطن، وسيواجه الحزب أيضاً من يريدون جره إلى التقوقع الأيديولوجي خصوصاً في بلد أصبحت معادلاته كلها صفرية كالسودان غير أن الوعي والنزعة الوطنية وحدها ستجعل من حزب المسار الوطني نموذج للاحزاب المتجددة. ليس هناك حزب في السودان على حد علمنا مبني على هذا النهج دون الارتكاز على خلفيات أيديولوجية عدا حزب واحد تأسس في مطلع 2018 هو حزب المسار الوطني وهذه دعوة للوقوف على هذه التجربة ومحاولة إنجاحها عساها تكون بذرة للخروج بهذه البلاد إلى بر الأمان، فنحن قد اكتفينا من الاستقطاب الأهوج والخلافات الهدامة، دعونا نبني هذا الوطن بضمير حي ، وأما الدعوات التي يرى أصحابها أنها الخلاص فالعيش في ظل حزب كهذا يهيئ المناخ لأصحابها للاستقطاب كما يشاؤون وذلك لن يضر بالنهوض المرجو طالما كان الصراع فكرياً محضاً ليس وراءه طمع في السلطة. من خلال ما تقدم نستطيع القول أن الحزب البرامجي الذي نمثله هو دولة مدنية صغيرة، شعبها هم أعضاء الحزب ودستورها هو برنامج الحزب المكتب الثقافي و الاعلامي حزب المسار الوطني